قد يتفوه بعضٌ منا بكلامٍ لا يُسمن ولا يغني من جوع، وقد يتسبب كلامه في خلق مشكلات وإزعاج لمن حوله، ولكن قد يخرج بعض آخر درراً ثمينة، ونصائح توصلهم إلى بر الأمان، وقد تحول حياتهم من حالٍ إلى حال.
يحكى أنَّ رجلاً فقيراً قرر السفر بحثاً عن لقمة العيش، فاتفق مع امرأته على عشرين عاماً من السفر، وإذا زادت عن ذلك فإنها حرة طليقة، وكان لديه ولد لم يكمل الشهر، فسافر وعمل في طاحونة قمح عند رجل جيد، وبعد عشرين عاماً، قال لصاحب الطاحونة:
لقد قررت العودة إلى البيت؛ لأنَّ زوجتي وعدتني أن تنتظرني عشرين
عاماً، وأُريد أن أرى ما الذي يجري هناك، وطلب منه صاحب الطاحونة البقاء، لكنه رفض، فأعطاه صاحب الطاحونة ثلاث قطع ذهبية.
فأخذها وفي طريق العودة لحق به ثلاثة من المارة هم اثنان من الشباب والثالث رجل عجوز، تعارفوا وبدأوا بالحديث، الرجل العجوز لم يتكلم، بل كان ينظر إلى العصافير ويضحك. فسأل عن الرجل العجوز؟ فأجاب الشابان بأنه والدهما، فقال: لماذا يضحك؟ فأجاب أحدهم إنه يعرف لغة الطيور وينصت إلى نقاشها المرح. فقال لما ذا لا يتكلم؟ فردا لأن كل كلمة من كلامه لها قيمة نقدية.
فقال في نفسه إنني إنسان فقير هل سأصبح فقيراً أكثر إذا ما أعطيت العجوز قطعة ذهبية واحدة. وأخرج من جيبه قطعة ذهبية ومدها إلى العجوز، فنصحه العجوز بأن لا يدخل النهر العاصف، وتابعوا مسيرتهم. قال الرجل في نفسه عجوز فظيع يا ترى ماذا سيقول لو أعطيته القطعة الثانية؟ وأخرج القطعة الذهبية الثانية وأعطاها للعجوز، فقال له في الوقت الذي ترى فيه نسوراً تحوم اذهب واعرف ما الذي يجري وصمت.
وتسلل الفضول إلى نفسه فأخرج القطعة الأخيرة وأعطاها للعجوز!
فقال له قبل أن تقدم على فعل أي شيء عد في عقلك حتى خمسة وعشرين وصمت، ثم ودعوا بعضهم وعاد العامل إلى قريته. وفي طريقه، وصل إلى حافة نهر عاصف وتذكر أول نصيحة أعطاها له العجوز ولم يدخل النهر، وفي هذه اللحظات رأى فارساً وحصاناً أبيض..
قال له الفارس: لماذا لا تعبر النهر؟ قال الرجل: لا أستطيع أن أعبر هذا النهر الهائج. فقال له الفارس: انظر إلي سأعبر هذا النهر البسيط.
وما أن دخل الحصان النهر حتى جرفه التيار مع فارسه، وغرق الفارس. أما الحصان، فقد تابع السباحة من حيث نزل، وأمسك الرجل الحصان وركبه وبحث عن جسر، وعبر إلى الضفة المقابلة،
وفي طريق العودة رأى ثلاثة نسور كبيرة تحوم، فنزل هناك ورأى ثلاث جثث هامدة وبالقرب منها حقيبة من الجلد مملوءة بالقطع الذهبية، كانت لقطاع طرق سرقوا أثناء الليل أحد المارة، ثم جاؤوا إلى هنا ليتقاسموا الغنيمة في ما بينهم، ولكنهم اختلفوا في الأمر وقتل بعضهم بعضاً، وأخذ الرجل النقود ووضع على جنبه أحد المسدسات.
وتابع سيره وفي المساء وصل إلى بيته، وقال سأنظر من الشباك لأرى ماذا تفعل زوجتي، كان الشباك مفتوحاً. نظر من الشباك فرأى طاولة وسط الغرفة، وقد غطتها المأكولات، وجلس إليها اثنان الزوجة ورجل لم يعرفه.
فارتعد من هول المفاجأة، وقال أيتها الخائنة لقد أقسمت لي بأن لا تتزوجي غيري، وتنتظريني حتى أعود وأمسك على قبضة مسدسه وصوب داخل البيت، ولكنه تذكر نصيحة العجوز الثالثة بأن يعد حتى خمسة وعشرين، وبدأ بالعد وفي هذه الأثناء كان الفتى يتحدث مع الزوجة، ويقول: يا والدتي سأذهب غداً في هذا العالم الواسع لأبحث عن والدي، كم من الصعوبة أن أعيش بدونه يا أمي. ندم الرجل وقال في نفسه:
لو لم أعد حتى خمسة وعشرين لارتكبت خطأً تعذبت عليه أبد الدهر.
من هنا، نستشف معنى المقولة القائلة «كلام من ذهب». أي كلام له وزنه وثقله المعنوي، بعكس كلام أولئك الأشخاص الذين يثرثرون كثيراً دون جدوى أو فائدة، فيحولون الجو إلى حالة من الإزعاج.