عرف مرض الكلب " السعار " منذ العصور القديمة، حيث وجدت بعض النقوش الأثرية منذ العصر السومري أي حوالي 4000 سنة قبل الميلاد، وقد ورد ذكره في الإلياذة 100 ق.م بوصفه كلباً مسعوراً .
ومن الحوادث المعروفة في العام 900 ق.م أن دباً مسعوراً عض عشرين شخصاً في مدينة ليون في فرنسا وقد توفي ستة منهم بهذا الداء بعد 27 يوماً .
كما انتشر هذا الداء على شكل وباء في الكلاب في فنلندا والنمسا وهنجاريا وتركيا عام 1586 .
وفي عام 1604 تعرضت مدينة باريس لهجمة شرسة من الكلاب المسعورة لم تنته منها إلا في عام 1621 .
وفي عام 1721 انتشر داء الكلب على شكل وباء في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وقد تم القضاء على 900 كلب مسعور في مدينة مدريد الإسبانية وحدها، وأيضاً ظهر الوباء في إنجلترا في عامي 1734 و 1735 بعد هجمات شرسة من الكلاب المسعورة .
وقد ظهرت حالات حول كنيسة القديس جيمس في لندن حتى اتخذت الإجراءات اللازمة لقتل الكلاب .
وفي عامي 1759 و 1760 ظهرت حالات من داء الكلب مختلفة عما كانت عليه فأصدرت السلطات قراراً يقضي بحجز الكلاب المملوكة في المنازل وقتل جميع الكلاب الشاردة في الشوارع ومنح " شلنين " عن كل كلب مقتول .
ولكن لم تنته لندن من هذه المشكلة حتى تعرضت لهجمة أخرى من داء الكلب حتى عام 1774 ، عندما حثت السلطات الأهالي على التخلص من الكلاب المملوكة وغير المملوكة وقررت قتل جميع الكلاب ورفعت المكافأة إلى خمسة شلنات عن كل كلب مقتول وهددت بقطع المعونة عن الفقراء إذا قاموا بتربية كلب واحد وبذلك تم إنهاء هذا الداء .
المرض وأعراضه
وعن هذا المرض يقول أحد الأطباء من قسم الأمراض الداخلية : إن العدوى للإنسان والحيوانات تنتقل عندما يدخل إلى الجسم الفيروس الموجود في لعاب الحيوانات المصابة التي تعضه والتي قد لا تظهر عليها أعراض المرض في بدايته أو عندما تتلوث الجروح بلعاب أو أنسجة الحيوانات المصابة أثناء ملاعبتها أو معالجتها أو تشريح الحيوان المصاب الميت قبل ظهور المرض عليه .
وعند دخول الفيروس إلى جسم الإنسان أو الحيوان السليم ينجذب بالأعصاب ويخترق الخلايا العصبية إلى مجورها ثم إلى الجهاز العصبي المركزي ( الدماغ)، وبعدها يتكاثر في البصلة السيسائية وقرن آمون وتكون سرعة انتقال الفيروس في الأعصاب 20 سم/24 ساعة .
وتتراوح فترة الحضانة بين 2 إلى 6 أسابيع وقد تستمر حتى سنة ويعود هذا الفرق الزمني إلى مكان دخول الفيروس (العض) ، حيث إنه كلما اقترب المكان من الدماغ أو من أماكن غنية بالنهايات العصبية قصرت فترة الحضانة ، كما يعود إلى كمية الفيروسات الداخلة حيث إنه كلما كثرة عدد المعضوضين قلت الكمية الداخلة، كما يعود الى حماية الملابس، حيث إنه كلما كان الجزء المعضوض مغطى بالملابس قلت كمية الفيروسات الداخلة .
ويظهر المرض على الإنسان على شكل حمى خفيفة، ضجر، صداع، قلة شهية، ألم في البلعوم وسعال يتبعه إقياء وتعرق، زيادة الحساسية وشدة التأثر بالمنبهات الصوتية والأضواء الساطعة تسبب له التشنجات المؤلمة .
وتظهر عند المصاب أكثر الأعراض تمييزاً لهذا الداء وهو الخوف من الماء فلا يشرب رغم عطشه الشديد وهذا بسبب التشنجات المؤلمة في عضلات البلع، ويظهر اللعاب خارجاً من الفم بكميات كبيرة بسبب التنبه الشديد للغدة اللعابية إضافة لصعوبة البلع ثم يبدأ الهيجان والتصرفات الجنونية مع فترات متقطعة من الوعي تقتصر حتى يحدث السبات وتصبح درجة الحرارة 40 درجة مئوية، ثم يحدث الموت بسبب توقف مركز التنفس وحدوث الاختناق .
أشكال المرض
ويظهر داء الكلب عند الإنسان بثلاثة أشكال مختلفة :
1- داء الكلب التشنجي : وهو الأكثر حدوثاً بما يلي :
شدة الحساسية من الصوت والضوء – الخوف من الماء بسبب تشنج عضلات البلع التي تسبب انسداد وتضيق المجاري التنفسية والبلعوم- الخوف من الهواء والتحسس من تياراته ولو كانت نفخاً بالفم- عدم التوازن وصعوبة الاستلقاء لفترة طويلة .
تستمر هذه الفترة من 2-5 أيام تنتهي بالسبات العميق وصعوبة التنفس ثم الموت .
2- داء الكلب الشللي : ألم شديد مكان الجرح يتبعه اختلاجات وتشنجات تنتهي بالشلل الذي يستمر 7-10 أيام ثم الوفاة .
3- داء الكلب الجنوني : حيث تصعب السيطرة على المصاب الذي يكون عدائياً ويهاجم ويحطم كل ما حوله بمنتهى الشراسة حتى يصاب بفقدان الوعي والإغماء ثم الموت .
أما عند الحيوان ولا سيما الكلاب والقطط والذئاب والثعالب فتظهر أعراض الداء على شكلين حيث تتلخص الأعراض بما يلي :
النوع الهائج :
يتغير سلوك الحيوان ويصبح شرساً ولا يطيع صاحبه ويفقد وده وهدوءه، ثم يتهيج الحيوان ويسير بخط مستقيم بلا توقف وينهش كل متحرك يقابله كما ينهش جروح جسمه وينبح دون توقف حتى يبدأ بالعض وابتلاع كل شيء (خشب، زجاج، ومعادن ..) وتظهر عليه ارتعاشات تتحول إلى تقلصات عضلية شديدة، ويخرج اللعاب بكميات كبيرة من فمه على شكل زبد بسبب شلل البلعوم وزيادة إفراز الغدد اللعابية ويصبح النباح أجش وعلى شكل فحيح، ثم يظهر عدم التوازن وترخى القائمتان الخلفيتان حتى يفقد القدرة على الوقوف ثم يصاب بالإغماء فالموت، ويكون سير المرض من 4-10 أيام وسطياً 7 أيام.
النوع الخامل :
تطغى أعراض الشلل على أعراض الهيجان والشراسة فيدخل الحيوان في سبات عميق مع ارتعاش ورجفة ، ثم شلل ودوخة شديدة تبقي الحيوان راقداً في غيبوبة لمدة يومين ثم الموت .
ويمكن تشخيص المرض عند الحيوان بالأعراض الظاهرة ، ولكن يجب تأكيده مخبرياً بوساطة الفحص النسيجي لأجزاء من دماغ الحيوان الميت .
المعالجة
إذا أهمل الشخص المعضوض نفسه بعد العض من حيوان مصاب حتى تظهر أعراض داء الكلب عليه فإن الموت هو النتيجة الحتمية له ولا يوجد أي دواء منقذ له .
ولذلك يجب أن تتم المعالجة خلال اليوم الأول حصراً من التعرض للعض أو الإصابة من قبل أي حيوان كان، يراجع الإنسان المعضوض مركز معالجة الأشخاص المعضوضين لأخذ المصل واللقاح اللازمين لتكوين المناعة في جسمه ضد هذا الداء .
وقد كان العلاج سابقاً يعطى بطريقة الحقن اليومي حول السرة لمدة 21 يوما وهو علاج مؤلم ينتج عنه أحياناً كثيرة مضاعفات تظهر على شكل ارتفاع شديد في درجة الحرارة وآلام شديدة وصداع قوي مع ظهور شكل في بعض أماكن الجسم ثم تتراجع هذه الأعراض بعد المعالجة ، وهذه الأعراض كانت تسبب تهرب المعضوض من العلاج بعد الحقنة الرابعة أو الخامسة مما قد يسبب موته فيما بعد لعدم اكتمال المناعة لديه .
ولكن المعالجة الحديثة التي أقرتها وزارة الصحة أصبحت عبارة عن 4 زرقات عضلية في فترات متباعدة كالتالي : اليوم الأول : جرعتان، اليوم السابع جرعة واحدة، اليوم الواحد والعشرون: جرعة واحدة. وتبدأ المعالجة بتنظيف الجروح وغسلها جيداً بالماء والصابون أو أي معقم آخر لإزالة أكبر كمية من اللعاب الغني بفيروس داء الكلب، ثم يعطي المصل واللقاح، مع ملاحظة شديدة الأهمية لأن العلاج لا يؤثر في الأشخاص الكحوليين والمصابين بالتشمع الكبدي والمعالجين بالهرمونات .
الوقاية والعلاج
عند التعرض لعض حيوان ما يجب على المعضوض اتباع ما يلي :
- غسل مكان العض فوراً بالماء والصابون أو أي معقم آخر .
- مراجعة أقرب مركز لمعالجة الأشخاض المعضوضين وهذه منتشرة في أنحاء القطر للحصول على العلاج اللازم خلال 24 ساعة من العض .
- خلال تطبيق برنامج العلاج يجب مراقبة الحيوان العاض ضمن قفص خاص، فإذا بقي الحيوان سليماً ولم تظهر عليه أعراض داء الكلب خلال 7-14 يوما فليس من الضروري متابعة العلاج ويوقف حقن اللقاح للإنسان ، أما إذا كان الحيوان العاض شارداً أو مات بأعراض الداء أو قتله أحد ما فيجب استمرار برنامج التلقيح حتى نهايته .
- يجب تلقيح الحيوانات المملوكة في المنازل ضد داء الكلب وتسجيلها وترخيصها لدى الدوائر الصحية المختصة، وأن يكون لدى أصحابها الوعي الكافي بمعرفة خطر داء الكلب وأن يتحملوا مسؤولية الأخطاء الناتجة عن مهاجمة حيواناتهم للآخرين.
- ضرورة وضع كمامات على أفواه الكلاب المملوكة مع طوق للرقبة خلال وجودهم خارج المنزل .
- ضرورة تطبيق الحجر الصحي البيطري على الحيوانات القادمة إلى القطر لمدة لا تقل عن ستة أشهر وهي أطول فترة ممكنة لطور الحضانة .
- إتلاف الكلاب الضالة الشاردة أ و المملوكة غير الملقحة